السبت، 22 نوفمبر 2014

التعليم المفتوح

التعليم الجامعي المفتوح وتعليم الكبار

بقلم : أفنان الغامدي 

المقدمة
إن المعرفة الإنسانية تشهد تطوراً مذهلاً في وقتنا الراهن نظراً للتقدم العلمي والتكنولوجي وما أتاحه من إمكانية هائلة في الحصول على المعرفة بشتى الوسائل، والتربية بمعناها الشامل تأثرت إلى حد بعيد بالتغيرات العلمية والتكنولوجية فلم تعد مضامين التربية وأساليبها وطرقها وما يتصل بها من مناهج دراسية بعيدة عن هذه التطورات، بل أصبحنا نشهد اليوم ثورة تربوية عارمة تأخذ أشكالاً متعددة، ولم تعد الأنماط التقليدية في عمليات التعلم والتعليم القائمة على التفاعل المباشر بين المعلم والمتعلم قادرة على متابعة ما يجري في كافة فروع المعرفة، وكان لا بد من استحداث طرائق ووسائل جديدة تمكن المتعلم من استيعاب هذه المعرفة الجديدة وفهمها والتعامل معها من منظور مختلف. .
وإذا أرادت جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا بإمكاناتها المحدودة الناجمة عن ظروف لا نستطيع معالجتها بيسر وسهولة تحقيق أهدافها المنشودة في توفير فرص التعليم والتعلم لكل راغب فيه وقادر عليه فإنها لن تستطيع ذلك إذا ما استمرت باتباع الأساليب التقليدية في المعالجة، ولذا فلا بد من البحث عن أنماط جديدة في التعليم تتخطى تلك المعوقات وتتجاوزها وتستطيع الوصول إلى مناطق أوسع بأيسر السبل وأكثرها اقتصاداً في الوقت والمال .
ويعد التعليم المفتوح من أهم هذه الأساليب التي تساعد الإنسان الفرد والمجتمع على النهوض وتحقيق أهداف التقدم والرقي ومواكبة العصر، فالتعليم المفتوح لم يعد مجرد ضرورة من ضرورات مواجهة التغير المتسارع، بل إنه يسهم في حل كثير من المشكلات وتلافي جوانب القصور الناتجة عن تلبية متطلبات واحتياجات الحياة المعاصرة من التعليم والتدريب والتثقيف في ضوء الأنماط الحديثة من التعليم النظامي وغير النظامي.
إن مجتمعنا العربي وهو يطرق أبواب التقدم بعد أن اختط لنفسه أسلوب التنمية الشاملة لجميع موارده البشرية والطبيعية هو في أمس الحاجة لاستغلال جميع الطاقات والموارد بالشكل الذي ينسجم مع تطلعات الأمة ويحقق أهدافها في التكامل الاقتصادي والاجتماعي ويجنبها الهدر في الموارد الطبيعية والإمكانات البشرية.
وإن الاستغلال السابق لا يتأتى إلا من خلال الاهتمام بتعليم وتدريب كافة الشرائح والأعمار صغاراً وكباراً وفي أي مرحلة من مراحل العمر، إذ تشير الكثير من الدلائل إلى أن تعليم الكبار قد أصبح ميداناً مهماً من ميادين التربية الحديثة، وأن المتعلمين الكبار هم في مركز أو قلب أهم التجديدات المستقبلية في التربية والتعليم وبخاصة في التعليم العالي.
ويقوم تعليم الكبار في أساسه على فكرة التربية المستمرة والتعليم مدى الحياة، وينظر إليه على نحو عام أنه "التعليم الهادف المنظم الذي يقدم للبالغين أو الراشدين أو الكبار غير المقيدين في جامعات نظامية (مقيمة) من أجل تنمية معارفهم ومهاراتهم أو تغيير اتجاهاتهم وبناء شخصياتهم".
وينظر إليه بعضهم على أنه "كل خبرة تعليمية تقدم للكبار بصرف النظر عن مضمونها أو محتواها أو الطريقة المستخدمة التي تقوم عليها أو تقدم بها" وبهذا يعد ميدان  تعليم الكبار ميداناً واسعاً عريضاً يشتمل قطاعات مختلفة من البشر في مختلف ميادين العمل والإنتاج، ويعد أيضا ميداناً متجدداً يرتكز في أساسياته على فكرة التربية لعالم متغير، وأنه تعليم غير منته بسن معينة أو برامج معينة أو سنوات دراسية معينة (التل، 1989). وبشكل عام يعتبر تعليم الكبار أوسع وأشمل من مجرد محو الأمية بل يتعدى ذلك إلى تعليمهم منظومة معرفية واتجاهات قيمية وعلمية تعوضهم ما فاتهم من تعليم عالي لأسباب اقتصادية أو اجتماعية حالت دون إكمالهم تعليمهم الجامعي.


مفهوم التعليم المفتوح:
يعد مفهوم التعليم المفتوح من المفاهيم التي أخذت حيزاً واضحاً على الخريطة الأكاديمية للتعليم العالي في كثير من دول العالم، إذ أصبح هذا النوع من التعليم مورداً مهماً للجامعات في سبيل التغلب على كثير من المشكلات المادية والأكاديمية على حد سواء.
إن فكرة التعليم المفتوح ليست جديدة، بل كان مطروحا منذ القرن قبل الماضي، حيث أن كثيراً من المعاهد التربوية الخاصة والتجارية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا استخدمت التعلم عن بعد وذلك بإيصال المواد التعليمية إلى الدارسين بنظام عرف بالدراسة بالمراسلة، وبعد النجاح الذي صاحب هذه التجربة بدأت بعض الجامعات باستخدام التعلم عن بعد في التعليم الجامعي مثل جامعة كوينزلاند (Queensland) في أستراليا، وجامعة انجلترا (The University of New England). (Denek, 1994)
أما الجامعة البريطانية المفتوحة فقد بدأت في الستينات وكان لها دور بارز في استخدام هذا النوع من التعليم في المرحلة الجامعية، بل أن المواد المطبوعة التي أعدتها انتشرت إلى أنحاء عديدة في العالم. ولقد أثبتت هذه الجامعة أنه بالإمكان استخدام التعليم عن بعد بكلفة اقتصادية أقل بالمقارنة مع التعليم الجامعي التقليدي. (نشوان، 1977، ص 3).
ولتحديد مفهوم التعليم المفتوح لا بد من الإشارة إلى الجهود المبذولة من قبل التربويين المتخصصين في التعلم عن بعد والتعليم الجامعي المفتوح.
فقد عرفه جيفرايز وآخرون بأنه تنظيم يساعد المتعلمين على التعلم في الوقت والمكان الملائم لظروفهم ومتطلباتهم ويفتح أمامهم فرص التغلب على المعيقات الناجمة عن العزل الجغرافي أو الالتزام الوظيفي والشخصي أو التقيد بالنظام الرسمي التي غالباً ما تمنع الناس من الحصول على المعرفة والتدريب الذي يحتاجونه كما عرفه كيجان بأنه: "مصطلح يتضمن مدى واسعاً من استراتيجيات التعليم والتعلم، ويشير إلى الدراسة عن بعد، والدراسة المستقلة في مستوى التعليم العالي".
ويحدد فيل ريس ) مفهوم التعليم الجامعي المفتوح على أنه يعني أن الطالب أو المتدرب لديه الحرية في الاختيار والضبط، فالحرية تعني حرية المتعلم في انتقاء ما يتعلم، ومتى يتعلم، وكيف يتعلم، أما الضبط فيعني الضبط الذاتي لأن المتعلم يكون مسؤولاً عن تعلمه".
ويعرفه مايكل مور بأنه: "عبارة عن طائفة من طرائق التدريس التي يكون فيها السلوك التعليمي منفصلاً عن السلوك التعلمي، ويتضمن تلك الوسائل التي يتم فيها الاتصال بين المعلم والمتعلم عبر أجهزة وأدوات الطباعة والأجهزة الميكانيكية والإلكترونية وغيرها من الأجهزة الأخرى.
ومما سبق يمكن القول أن التعليم المفتوح هو:
" تعليم جماهيري متاح لجميع الناس ويتسم بالمرونة من حيث شروط القبول به وطريقة التدريس، والزمان والمكان والمدى تبعاً لاحتياجات وظروف الدارسين".

مبررات استخدام التعليم الجامعي المفتوح:
يلخص نشوان (2004) مبررات التعليم الجامعي المفتوح فيما يلي:
أولاً: توفير فرص التعليم الجامعي لأولئك الأفراد الذين أعاقتهم ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية عن الالتحاق بالجامعات بعد المرحلة الثانوية مباشرة.
ثانياً: يمكن التعليم الجامعي المفتوح الأفراد في المناطق النائية من مواصلة تعليمهم على الرغم من بعد المسافات وذلك من خلال تأمين المقررات والمواد التعليمية لهم واستغلال النظام التكاملي متعدد الوسائط في تسهيل التفاعل بين الدارسين والمشرفين.
ثالثاً: يسمح التعليم الجامعي المفتوح للدارسين بالجمع بين الدراسة والعمل، والاستمرار في الدور المنتج إلى جانب التحصيل الدراسي.
رابعاً: يتيح نظام التعليم المفتوح للمرأة والأم إكمال تعليمها العالي بكل سهولة ويسر عبر التقنيات التربوية وفي الأوقات التي تناسبها، وقد شكلت الإناث ما نسبته ( 90 % ) في الجامعة العربية المفتوحة/ فرع الأردن، منها (  67 % ) امرأة عاملة.
خامساً: أن التعليم الجامعي المفتوح يساهم في استيعاب أعداد كبيرة جداًَ من الدارسين تفوق القدرة الاستيعابية للجامعات التقليدية وذلك نظراً للاعتماد على الوسائط التعليمية وإعداد المواد التعليمة القائمة على الدراسة الذاتية.
سادساً: أن التعليم الجامعي المفتوح يعتمد على التعلم الذاتي، ويحث الدارسين على مواكبة التطورات المعرفية المتسارعة، وهذا يوفر مساحة واسعة للدارسين لكي يكتسبوا مهارات التعلم والدراسة الذاتية اللازمين لمتابعة كل جديد في المعرفة.
سابعاً: يتصف التعليم الجامعي المفتوح بالمرونة من حيث التنظيم الإداري والأكاديمي، فلا توجد حدود أو حواجز للقبول، حيث يمكن قبول الدارسين بغض النظر عن العمر أو الدرجات، أو الوظيفة، أو مكان السكن.
ثامناً: يستجيب نمط التعليم المفتوح لمبدأ الدافعية الداخلية للتعلم اللازمة لتحقيق النجاح والإنجاز.
تاسعاً: يمكن أن يوفر التعليم الجامعي المفتوح فرص التعلم لمستويات دون الدرجة الجامعية الأولى، وذلك من خلال برامج أكاديمية لمدة سنة أو سنتين جامعيتين ومن ثم يحصل الدارس على شهادة متوسطة بناء على رغبته.

التعليم المفتوح وتعليم الكبار:
لقد شهد تعليم الكبار في السنوات الأخيرة عدة تطورات أدت إلى تعميق جوانبه واتساع ميادينه، وشمول أنشطته، وزادت أهميته في تنمية المجتمعات، بل أن أهمية تعليم الكبار كميدان تربوي لا تقتصر على دول معينة ذات مستوى اقتصادي واجتماعي معين، وإنما تنسحب أهميته على دول العالم المعاصر على اختلاف شاكلتها المتقدمة والنامية على السواء ، ولم يعد تعليم الكبار يخضع لمنطق التطوع أو الاختيارية، وإنما يخضع لمنطق التنظيم والمنهجية، ولم يعد عملاً يقوم على الخبرة الشخصية، وإنما أصبح علماً تربوياً متطوراً له نظرياته وأصوله وتطبيقاته، وأبحاثه .
إن فئة الكبار التي يستهدفها التعليم المفتوح تمتاز بخصوصية تجعلها مختلفة عن غيرها من الحاجات والأهداف والغايات كما تختلف في الاستعدادات والقدرات والميول والرغبات، وهذه الاختلافات تشكل الأساس الذي يستند إليه عند إعداد المواد التعليمية، حتى تكون هذه المواد مناسبة لهذه الفئة من حيث إثارة الاهتمام لديهم، ومن حيث احتوائها على التشويق المناسب وتلبية مطالبهم وتحقيق أهدافهم الخاصة من التعليم المفتوح .
إن تعليم الكبار هو تلك القوة التي في حال تطبيقها الأمثل يمكن أن تحدث إعادة تكييف الاتجاهات داخل المجتمع نحو أي موقف متغير وجديد في أقصر وقت ممكن والتي تساعد في ابتكار التغيير الذي يشمل المهارات أو الأساليب المطلوبة أو الضرورية للتغيير. 
إن تعليم الكبار يهتم أساساً بنشر المعرفة وتدريب الذهن على طريقة التفكير الموضوعي، وتعليم المهارات لتمكين الفرد من تحقيق ذاته وأداء دور فعال في تطوير المجتمع الذي ينتمي إليه.

إن تعليم الكبار لا تقتصر أهميته على إكساب فئة الراشدين من المتعلمين المهارات اللازمة لهم في عملهم ومن ثم تطوير قدرتهم على الإنتاج والمساهمة في تنمية المجتمع بل أن الآباء المتعلمين هم أكثر قدرة على مساعدة أبنائهم وأسرهم على التعليم، ومن هنا فإن التعليم الجامعي المفتوح يلعب دوراً أساسياً في التنمية الثقافية والاجتماعية، ويفتح الآفاق أمام الكبار من خلال البرامج التعليمية المناسبة لهم. 
.......................................................
المراجع
-       إبراهيم، سعد الدين (1989). مستقبل النظام العالمي وتجارب تطوير التعليم، منتدى الفكر العربي، عمان.
-       أبو غريب، عايدة (2004)، التعليم المفتوح والتعلم عن بعد في الوطن العربي: الواقع والمستقبل، الشبكة العربية للتعليم المفتوح والتعليم عن بعد، الأردن.
-       بروسر، روي (1980) تعليم الكبار في البلدان النامية، ترجمة الدكتور ابراهيم الشبلي ، الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار، جامعة الدول العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بغداد.
-       بكر، عبد الجواد (2000)، قراءات في التعليم عن بعد، دار الوفاء لدينا الطباعة والنشر، الإسكندرية.
-       تقرير التنمية الإنسانية العربية (2005) نحو نهوض المرأة في الوطن العربي، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، المكتب الإقليمي للدول العربية،رنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

هناك 6 تعليقات:

  1. أرى أن التعليم المفتوح يتيح الفرصة لتعويض الزمن الضائع وفرص التعلم الضائعه من العديد من أبناء مجتمعنا وهو طريقة وان كانت ليست بالحديثة إلا أنها لاقت تطورا كبيرا. فى العقود الأخيرة. مما أتاح الفرصة لضخ عقول من اعمار.مختلفة إلى العملية التعليمية...وييسر.التعليم المفتوح منذ بدايته كتعليم.بالمراسلة طرق الدراسة لراغبيه.داعما حركة التعلم الجديدة..وارى فى التعليم المفتوح فائدة كبيرة وتوجها.ذكيا من الدولة فى استخدامه.
    ريمه سالم البشير
    1K3

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
    رزان الضرمان .
    ان التعليم والمفتوح واهميته العظمى في توفير الفرص التعليم والتعلم لكل راغب فيه وقادر عليه , كما توصلت الدراسه الى الؤيه المستقبليه حول دور التعليم المفتوح ومستقبليته في البلاد العربيه , وقد خلصت الدراسه الى مجموعه من التوصيات كان ابرزها ضروره البلاء التعليم المفتوح اهميته الكبرى من قيل الحكومات العربيه , ليتمكن من توسيع مظلته حتى تشمل مختلف التخصصات الاكاديميه , مع التاكيد على دعم البحوث الخاصه بالطلبه الكبار.

    ردحذف
  5. رائعه جداً فكرة التعليم المفتوح رعا الله من قام بها
    واهم ميزاتها انها اعطت فرصة لمن فاتتهم واعاقتهم الظروف ومن هم مناطق نائيه

    منى المطيري

    ردحذف
  6. الجيل الرقمي لا يناسب التعليم التقليدي ولابد حصول على اعلى واحدث التقنيات لبناء جيل متعلم ومتقدم

    افنان الغامدي

    ردحذف